205 – (وَإِذَا تَوَلَّى ) عنك يا محمّد وأدبر (سَعَى فِي الأَرْضِ
لِيُفْسِدَ فِيِهَا ) أي أخذ يعمل في المكر والخديعة ليوقع العداوة
والقتال بين الناس (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ) أي يهلك الزرع
والأولاد بسبب الحرب والعداوة ، كما فعل بثقيف حيث كان بينه وبينهم خصومة
فبيّتهم ليلاً وأهلك مواشيهم وأحرق زرعهم (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ )
ويمقت من يسعى به .
206 – (وَإِذَا قِيلَ لَهُ ) أي لذلك المنافق (اتَّقِ اللّهَ ) ولا تفسد في
الأرض (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ ) أي أوقعته العزّة في الإثم ،
يعني حمله التكبّر على فعل الإثم ولم يمتنع عن الفساد (فَحَسْبُهُ
جَهَنَّمُ ) أي كفاه عذاب جهنّم (وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ) الذي مهّده لنفسه
، يعني بئس المكان جهنّم الذي اختارها ومهّدها لنفسه .
208 – أسلم قوم من اليهود ثمّ حرّموا على أنفسهم لحم الإبل وذلك لِما
اعتادوا عليه في اليهوديّة ، فأنزل الله فيهم هذه الآية (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ ) أي في الاستسلام والانقياد
لأوامر الله (كَآفَّةً ) أي جميعها ، والمعنى : إنقادوا لجميع أوامر الله
فلا تأخذوا بعضها وتتركوا الأخرى (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ
الشَّيْطَانِ ) أي ولا تلازموا العادات التي خطّها الشيطان وسنّها لكم
(إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) أي ظاهر العداوة .
210 – (هَلْ يَنظُرُونَ ) يعني هل ينتظر العذاب هؤلاء المكذّبون بآيات الله
(إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ ) أي إلاّ
أن يبعث الله عليهم العذاب في ظلل من السحاب كما بعث على قوم شعيب من قبلهم
، والظلل جمع ظلّة وهي السحابة (وَالْمَلآئِكَةُ ) أي ويبعث عليهم ملائكة
العذاب فتقبض أرواحهم (وَقُضِيَ الأَمْرُ ) أي وحينئذٍ ينتهي بهم الأمر فلا
توبتهم تقبل ولا يمكنهم الرجوع إلى الدنيا ليعملوا الصالحات ولا ينجيهم
أحد من عذابنا (وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ) الأمر كناية عن
المخلوقات الروحانية فكلّ قسم منها يسمّى "أمر" وجمعها "أمور" ، والمعنى :
إلى الله ترجع نفوس البشر والجنّ وكلّ مخلوق أثيري فيحكم فيها ما يشاء ولا
يحكم فيها غيره .
211 – إنّ قريشاً سألوا النبيّ أن يأتيهم بمعجزة مادّية فيصدّقونه ، فنزلت
هذه الآية (سَلْ ) يا محمّد (بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ
آيَةٍ بَيِّنَةٍ ) أي كم أعطيناهم من معجزة واضحة تدلّ على صدق أنبيائهم
فكفروا بها وكذّبوا . فإنّ موسى جاء بالعصا والمعجزات الأخرى إلى فرعون
وقومه فلم يؤمنوا به ولم يصدّقوه بل كذّبوا وقالوا هذا سحر مبين ، فانتقمنا
منهم وأغرقناهم في اليمّ . وإنّ عيسى أنبأهم بالمغيّبات وأحيا لهم الأموات
وأبرأ الأكمه والأبرص وغير ذلك من المعجزات فلم يؤمن به اليهود بل كذّبوه
وأرادوا قتله .
وهكذا باقي الأنبياء كلّ من جاء بمعجزة مادّية فإنّ قومه يكذّبون بها
ويقولون هذا سحرٌ مبين . وكذلك أنت يا محمّد لو أعطيناك معجزة مادّية لكذّب
بها قومك وقالوا هذا سحرٌ مبين ، ولكن الأحسن من ذلك هي المعجزات العلمية
والأدلّة العقليّة التي أنزلناها عليك فادعهم إلى الإيمان بِها فهي تؤثّر
فيهم أكثر من المعجزات المادّية . وذلك قوله تعالى في سورة النحل {ادْعُ
إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} . فقوله
تعالى (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) يعني إذا لم يطمئنّ قلبك يا محمّد بهذا
الجواب فاسأل بني إسرائيل كم آتيناهم من معجزة فكذّبوا بها وأبدلوها بالكفر
(وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ ) بالكفر (مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ )
على لسان محمّد ، ويريد بالنعمة آيات القرآن والموعظة والهداية إلى طريق
الحقّ فهي نعمة من الله على الناس وعلى الأنبياء أيضاً ولذلك قال الله
تعالى في سورة الضحى مخاطباً رسوله : {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ
فَحَدِّثْ} أي حدّث الناس برسالتك ولا تخشَ أحداً (فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ ) لمن جحد بآياته وكذّب رسله