69 – ثمّ أخذوا يسألون عن لونِها (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن
لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ ) موسى (إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ
صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا ) أي شديدة الصفرة ، يقال في صفات الألوان :
أصفر فاقع ، وأبيض ناصع ، وأخضر ناضر ، وأحمر قانٍ وأسود حالك ، (تَسُرُّ
النَّاظِرِينَ ) أي تعجب الناظرين إليها وتفرحهم بحسنها .
70 – ثمّ أخذوا يسألون عن أعمال تلك البقرة (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ
يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ) البقرة التي أمرنا بذبحها : أهي من العوامل أم
من السوائم (إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا) أي اشتبه علينا فلا ندري
أيّها نذبح (وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ) إلى صفة البقرة
بتعريف الله إيّانا .
71 – (قَالَ ) موسى (إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ) أي
لا تسرع في مشيها بل تسير ببطء ، يقال ناقة ذلول ودابّة ذلول ، إذا كانت
تسرع في مشيها ، (تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ ) أي تستعمل
لإثارة الأرض يعني للكراب ولا تسقي الزرع (مُسَلَّمَةٌ ) أي سليمة من
الأمراض ونقص الأعضاء (لاَّ شِيَةَ فِيهَا ) أي لا كلف في جلدها يخالف
لونَها بل كلّها صفراء (قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) أي الآن جئت
بأوصافها تماماً ، يعني عرفناها وهي بقرة فلان (فَذَبَحُوهَا وَمَا
كَادُواْ يَفْعَلُونَ) أي قارب أن لا يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها ولفضيحة
القاتل .
72 – (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا) أي تدافعتم في
قتلها ، يعني كلٌّ منكم يدفع جريمة القتل عن نفسه ، فالدرء معناه الدفع
كقوله تعالى في سورة النور {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ
أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ} ، يعني ويدفع عنها العذاب (وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا
كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ) من أمر القتل .
73 – (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ ) أي المقتول (بِبَعْضِهَا) أي ببعض أعضاء
البقرة المذبوحة فيحيا المقتول واسألوه عن قاتله ، فلمّا فعلوا جلس المقتول
وأخبرهم بالقاتل ثمّ مات (كَذَلِكَ) أي كما أحيا هذا المقتول (يُحْيِي
اللّهُ الْمَوْتَى ) فلا يصعب عليه شيء (وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ) يعني
المعجزات الباهرة الدالّة على وحدانيته (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) أي لكي
تستعملوا عقولكم ولا تكونوا مقلّدين ، فمن لم يستعمل عقله ولم يبصر رشده
فهو كمن لا عقل له .
ولَمّا رأى بنو إسرائيل هذا الحادث سألوا موسى قائلين : إذا قُتِل بعدك
أحد منّا في محلّ ولم نعرف قاتله فماذا نصنع ؟ فسأل موسى ربّه عن ذلك ،
فقال تعالى : إذا قُتِل إنسان ولم يُعرَف قاتله ، إجمعوا رؤساء تلك المحلّة
التي وجد فيها القتيل واذبحوا عجلة من البقر واأتوا بالرؤساء فيغسلوا
أيديهم ويقسموا بالله أنّهم بريئون من دم القتيل ، فإذا أبى أحد منهم أن
يقسم فإنّه عالم بالقاتل .
وقصّة القتيل والبقرة المذكورة في القرآن كانت مسطورة في التوراة ، ولكن
لَمّا هجم نبوخذ نصّر على فلسطين ومزّق التوراة ذهبت منها قصّة القتيل
والبقرة ، وبقي فيها حكم المقتول المجهول قاتله مسطوراً ، وذلك في الإصحاح
الحادي والعشرين من التثنية .
75 – ثمّ أخذ سبحانه في خطاب المسلمين فقال (أَفَتَطْمَعُونَ أَن
يُؤْمِنُواْ لَكُمْ ) يعني أن يؤمن اليهود لكم ويسلموا (وَقَدْ كَانَ
فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ) الذي كلّم به موسى فوق جبل
الطور ، يعني الوصايا والأحكام الشرعية (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ
مَا عَقَلُوهُ ) أي يؤوّلونه إلى وجوه ، يعني يغيّرون معانيه من بعد ما
فهموه (وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) أنّهم يحرّفونه ويَجترئون على المعاصي بتحريفه
، فمن كانت هذه أفعالهم مع أنبيائهم فكيف يؤمنون بنبي من العرب فلا تطمعوا
بإيمانِهم .
76 – (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا ) بمحمّد
(وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ ) يعني إذا التقى اليهود فيما
بينهم في مكان خالٍ من المسلمين (قَالُواْ ) أي قال بعضهم لبعض على وجه
العتاب (أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ ) أي أتحدّثون
المسلمين بِما فتح الله عليكم من الرؤيا . الفتح هو نبأ جديد ، ومن ذلك
الرمّال يسمّى فتّاح فال ، لأنّه يخبر بنبأ جديد ، وذلك أنّ أحد أحبار
اليهود رأى في المنام أنّ ملاكاً يقول له : صدّقوا محمّداً فهو نبي حقّ وهو
المنعوت في كتابكم . فقصّ رؤياه على اليهود وشاع خبر تلك الرؤيا بينهم
حتّى وصل خبرها للمسلمين . وقوله تعالى (لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ
رَبِّكُمْ ) أي لتكون تلك الرؤيا حجة للمسلمين على إسلامهم وعلى ترككم
الإسلام ، وتلك الحجة تكون يوم القيامة عند الله (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )
أيها اليهود فتؤمنوا بِمحمّد بعد هذه الأدلّة والبراهين الدالّة على صدقه .
78 – (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ ) لا يقرؤون ولا يكتبون (لاَ يَعْلَمُونَ
الْكِتَابَ ) الذي جاء به موسى علماً حقيقياً ولا يفهمون ما فيه ولكنهم
مقلّدون (إِلاَّ أَمَانِيَّ ) يعني إلاّ ما سمعوه من علمائهم وخطبائهم من
التوراة التي خلطوها بالأكاذيب والأماني كقولِهم إنّنا شعب الله المختار
وكلّ الأمم عبيد لنا1 ، وقولهم : لا يدخل الجنة إلاّ من كان يهودياً ،
وقولهم نحن أبناء الله وأحبّاؤه ، وقولهم سوف يكون الملك لنا والحكم
بأيدينا ، فكذّب الله تعالى أمانيّهم فقال (وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ )
يعني تلك الأماني لم يذكرها الله تعالى لِموسى وا ذلك إلا ظناً منهم .