36 – (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا) أي
فأذهبهما الشيطان عن تلك الجنة وأبعدهما بوسوسته وإغوائه (فَأَخْرَجَهُمَا
مِمَّا كَانَا فِيهِ) من النعم لأنّهما أكلا من تلك الشجرة وهو توت العلّيق
(وَ) عصيا ربّهما (قُلْنَا اهْبِطُواْ ) من الجبل إلى الأرض المستوية ،
يعني آدم وحوّاء والأنعام والطيور التي كانت في تلك الجنة كلّهم نزلوا إلى
الأرض (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) يعني جعلنا بينكم عداوة جزاءً
لِعصيانكم أمر ربّكم ، فصار إبليس عدوّاً لآدم وأولاده ، وصار آدم عدوّاً
لإبليس ، فصار أولاد آدم بعضهم يعادي بعضاً (وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ
مُسْتَقَرٌّ) أي راحة وسكون (وَمَتَاعٌ) من المأكل والملبس والأثاث وكلّ
شيء يتمتّع به الإنسان (إِلَى حِينٍ) أي إلى يوم القيامة ، لأنّ الأرض
تتمزّق في ذلك اليوم فتخرج النفوس منها وتنتشر في الفضاء .
القصّة : لَمّا أكل آدم من تلك الشجرة أخذت الينابيع تجفّ لأنّها شقّت
طريقاً من أسفل الجبل وصارت تجري على الأرض ، ولَمّا جفّت المياه فوق الجبل
يبست الأشجار ونفدت الثمار فلم يبقَ في تلك البستان ما يعيشون عليه فشكَوا
إلى ربّهم فأوحى إليهم أن اهبطوا إلى الأرض المستوية ، فقالا ربّنا نخاف
أن لا نجد عليها ما نأكل ونشرب ، فأخذ سبحانه يحثّهم على النزول فقال تجدون
فيها ما تأكلون وتشربون ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حين . وأراد
سبحانه أن يفرّقهم في الأرض كي ينتشروا فيها ويتكاثروا .
37 – (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) نزل بِها جبرائيل فعلّمه
إيّاها فدعا بِها آدم وهي : "اللهمّ لا إلاه إلاّ أنت سبحانك وبحمدك ربِّ
إنّي ظلمتُ نفسي فاغفر لي إنّك خير الغافرين ، اللهمّ لا إلاه إلاّ أنت
سبحانك وبحمدك ربِّ إنّي ظلمتُ نفسي فارحمني إنّك أنت أرحم الراحمين ،
اللهمّ لا إلاه إلاّ أنت سبحانك وبحمدك ربِّ إنّي ظلمتُ نفسي فتبْ عليّ
إنّك أنت التوّاب الرحيم ." (فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ)
لِمن عمل سيّئة بجهالة ثمّ تاب في مدّة قريبة (الرَّحِيمُ ) بعباده
التائبين النادمين .
آراء المفسّرين
في الجنة : صفحة (85 ) قال الطبرسي : "اختلف في الجنة التي أسكن فيها
آدم فقال أبو هاشم هي جنة من جنان السماء غير جنة الخلد لأن جنة الخلد
أكُلها دائم ولا تكليف فيها وقال أبو مسلم هي جنة من جنان الدنيا في الأرض"
"{ ولا تقربا هذه الشجرة } أي لا تأكلا منها فمعناه لا تقرباها بالأكل
ويدل عليه أن المخالفة وقعت بالأكل بلا خلاف لا بالدنو منها." "واختلف في
الشجرة التي نهي عنها آدم فقيل هي السنبلة عن ابن عباس وقيل هي الكرمة عن
ابن مسعود والسدّي وقيل هي التينة عن ابن جرير وقيل هي شجرة الكافور. وقيل
هي شجرة العلم علم الخير والشر عن الكلبي وقيل هي شجرة الخلد التي كانت
تأكل منها الملائكة عن ابن جذعان." وقيل هي شجرة التفّاح .
أقول : إنّ نبتة الحنطة لا تسمّى شجرة ، وأمّا التين والعنب والتفّاح فهي
من الفواكه الطيّبة المباح أكلها ، وأمّا علم الخير والشرّ فليس له أشجار ،
وأمّا الكافور فلا يُؤكل .
40 – ثمّ أخذ سبحانه في خطاب بني إسرائيل فقال : (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ
اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ) في الماضي ، أراد
بذلك النعم التي أنعم بِها على أسلافهم من كثرة الأنبياء فيهم والكتب
ونجاتِهم من فرعون ومن الغرق وإنزال المنّ والسلوى عليهم وكون الملك فيهم
في زمن داود وسليمان وغير ذلك (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي) أي بما عاهدتموني
عليه من الإيمان والطاعة بي وأن لا تشركوا بي شيئاً وكان العهد على يد
موسى نبيّكم (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) أي بِما عاهدتكم عليه من حسن الثواب على
حسناتكم (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) أي خافوني في نقض العهد . 1
وإليك بعض العهود التي عاهدوا الله عليها ، فقد جاء في التثنية من التوراة في الإصحاح الخامس قال :
"وَدَعَا مُوسَى جَمِيعَ إِسْرَائِيل وَقَال لهُمْ: اَلرَّبُّ إِلهُنَا
قَطَعَ مَعَنَا عَهْداً فِي حُورِيبَ . فَقَال: لا يَكُنْ لكَ آلِهَةٌ
أُخْرَى أَمَامِي . لا تَصْنَعْ لكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً صُورَةً مَا
مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ وَمَا
فِي المَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ . لا تَسْجُدْ لهُنَّ وَلا
تَعْبُدْهُنَّ لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلهٌ غَيُورٌ "
هذه بعض العهود التي أخذها عليهم ولكنّهم خانوا العهود ونقضوا المواثيق وعبدوا البعليم و عشتاروث وغير ذلك .
------------------------------------------------
1 [وقد أكثر موسى (ع ) من تذكير قومه بلزوم قصر عبادتهم بالله تعالى
وأكّد ذلك غير مرّة ، ومنها الفصل 30 من التثنية حتّى النفَس الأخير وهو
يردّد "وقد أشهدتُ عليكم اليوم السماء والأرض" 15-20
– المراجع ]
42 – (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ) أي لا تخلطوا الحقّ
بالباطل ، والحقّ يريد به التوراة ، والباطل كلامهم ، ويريد بذلك ما حرّفوه
وبدّلوه من التوراة (وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ ) أي تكتموا صفة محمّد التي
جاء ذكرها في التوراة والإنجيل (وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) أنّ وراءكم حساب
وعقاب ، والخطاب موجّه إلى علمائهم .
45 – (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ) الآية معطوفة على قوله
تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
..الخ ) من آية 21 والخطاب لقريش ، وذلك لَمّا قال النبي (ع ) : آمِنوا ،
فقال بعضهم إذا آمنّا فإنّ قومنا يؤذوننا ويأخذون أموالنا 1 ، وذلك قوله
تعالى في سورة القصص {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ
نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} ، فأنزل الله تعالى هذه الآية
(وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ) يعني آمِنوا واستعينوا على
قومكم بالصبر وإنّ الله ينصركم عليهم ، وقوله (وَالصَّلاَةِ ) يعني
واستعينوا عليهم أيضاً بالصلاة والدعاء إلى الله وهو ينجيكم منهم وينصركم
عليهم (وَإِنَّهَا ) أي الصلاة (لَكَبِيرَةٌ ) أي لثقيلة على الناس فلا
يواظبون عليها وخاصّةً المتكبّرون منهم (إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ) أي
المتواضعين لا تثقل عليهم لأنّهم وطّنوا أنفسهم على أدائها وإنّهم لا
يأنفون من الركوع والسجود .
-----------------------------------------------
1 [ومِمّا يؤسف له أنّ بين ظهرانينا من الأحبار والرهبان من يعلم الحقّ
الصريح ويبتعد لمثل الأسباب التي ذكرها المؤلّف الفاضل عن هداية قومه إلى
الدين الصحيح . – المراجع ]
46 – ثمّ أخذ سبحانه في وصف الخاشعين فقال (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم
مُّلاَقُو رَبِّهِمْ ) يعني ما يلاقونه من الرحمة مجازاةً لأعمالِهم ،كقوله
في سورة الحاقة {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ . فَهُوَ فِي
عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} ، (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) أي يرجع أمرهم
إليه فهو يتولّى أمرهم وشؤونهم .
50 – (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) يعني وعده بأن
يعطيه التوراة ، والتقدير : واذكروا إذ واعدنا موسى بأن نعطيه التوراة
فأعطيناه إيّاها بعد أربعين ليلة ، لأنّ الله تعالى وعده ثلاثين ليلة ثمّ
اقتضت المصلحة الإلاهية بأن يضيف لَها عشرة أخرى فصارت أربعين ليلة ، وذلك
قوله تعالى في سورة الأعراف {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً
وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}
؛ فإنّ الله تعالى ذكر الأربعين في هذه السورة مجملاً وفي سورة الأعراف
مفصّلاً (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ ) إلاهاً تعبدونه (مِن بَعْدِهِ )
أي من بعد ذهاب موسى إلى جبل الطور في وادي سيناء (وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ)
لأنفسكم بِما استحققتم من العقاب على ذلك .
والتوراة هي عشر كلمات ، أي عشر وصايا كتبها الله تعالى بقلم قدرته في
لوحين من حجر ذلك الجبل ، والكتابة في وجهيهما ، وهي كما يلي :
لا يكن لك آلهة أخرى أمامي .
لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً . لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ لأنّي أنا الربّ إلاه غيور .
لا تنطق باسم الربّ إلاهك باطلاً .
إحفظ يوم السبت .
أكرم أباك وأمّك .
لا تقتل .
ولا تزنِ .
ولا تسرق .
ولا تشهد شهادة زور .
ولا تشته امرأة قريبك ولا حقله ولا عبده ولا أمَته ولا ثورَه ولا حمارَه ولا كلّ ما لقريبك .
53 – (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ) يعني التوراة التي كتبها على
ألواح الحجر (وَالْفُرْقَانَ) يعني الوصايا والأحكام الدينية التي جاءت
متفرّقة وكتبها قوم موسى في الرقوق ، يعني في جلد الغزال (لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ) إلى طريق الحقّ .