91 – (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ) أي لليهود (آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ )
على محمّد وهو القرآن (قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ) يعنون
التوراة (وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ ) أخبر الله تعالى عنهم بأنّهم
يكفرون بما جاء بعد التوراة كالإنجيل والقرآن (وَهُوَ الْحَقُّ ) أي وهو
كلام الله وليس من كلام البشر (مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ ) أي أنزل الله
القرآن مصدّقاً لِما معهم من الأحكام الشرعية التي في التوراة ومتمّماً
للشرايع (قُلْ ) يا محمّد لهم (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن
قَبْلُ ) نزول القرآن كيحيى وزكريا وغيرهما (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )
بالتوراة كما تزعمون ؟ أليس الله حرّم عليكم قتل النفس في التوراة فكيف
تقتلون أنبياءه ؟
----------------------------------------------
[على الهامش
والحقيقة أنّ اليهود الحاليين والمعاصرين للرسول الأكرم لم يؤمنوا
بالتوراة أيضاً ، فلو آمنوا بِها لصدّقوا رسالة محمّد عليه السلام بإطاعتهم
للتوراة التي ألزمتهم بالطاعة والإذعان للرسول العربي ؛ فقد جاء في سفر
التثنية " أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلّمهم
بكلّ ما أوصيه به ويكون أنّ الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلّم به
باسمي أنا أطالبه " 18 : 19 ، والمعنى أنّ الله تعالى يبعث لليهود ولغيرهم
نبياً من أفضل أولاد إسماعيل أخ إسحاق هو كموسى ، ولا يعرف الكتابة بل كلّ
ما يسمعه من جبريل يذيعه ويبلّغه لهم ولسواهم ، والذي لا يذعن لقوله يكون
الله تعالى الطالب ويصبح هو المطلوب ولن يكون على أمره إلاّ مغلوب ."
انتهى الهامش – المراجع ]
93 – (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ) يعني أخذنا عليكم العهد والميثاق بأن
لا تشركوا بالله شيئاً (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) وهو الجبل
لَمّا مال عليهم وكانوا تحته ، فقلنا لهم (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم ) من
الأحكام الشرعية (بِقُوَّةٍ ) أي بعزيمة ويقين ، وقد سبق تفسيرها ، وقوله
(وَاسْمَعُواْ ) أي أصغوا لقولنا وامتثلوا أوامرنا (قَالُواْ سَمِعْنَا
وَعَصَيْنَا ) يعني صارت أعمالهم كمن قال سمعنا وعصينا ، لأنّهم لم يمتثلوا
أمر ربّهم ولم يعملوا به إلاّ القليل (وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ
الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) أي دخل حبّ العجل في شغاف قلوبِهم ، لأنّهم
كانوا معتادين على عبادة الأوثان في مصر قبل مجيء موسى إليهم (قُلْ ) يا
محمّد لَهم (بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ ) يعني إذا كان
إيمانكم يأمركم بعبادة العجل وقتل الأنبياء وتكذيب الرسل فذلك بئس الإيمان
(إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ) بالتوراة كما تزعمون : نؤمن بما أنزل علينا .
96 – (وَلَتَجِدَنَّهُمْ ) أي اليهود (أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ )
يعني أحرص الذين هم أهل كتاب مثلهم (وَ ) أحرص (مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ
) كالمجوس وعبدة الأوثان . ثمّ بيّن سبحانه زيادة حرصهم على البقاء في دار
الدنيا فقال (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ) يعني لو
يعيش هذه المدّة (وَمَا هُوَ ) يعني عمره (بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ )
يعني وما عمره بمخلّصه من عذاب جهنّم (أَن يُعَمَّرَ ) أي مهما عمّر ،
فلفظة زحزح يعني خروجه من جهنّم ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة آل
عمران {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} .
والمعنى ولو أنّ أحدهم بقي في الدنيا ألف سنة يفكّر في حيلة تنجيه من
عذاب الله فلا يتوصّل إلى ذلك إلاّ بالإيمان والطاعة (وَاللّهُ بَصِيرٌ
بِمَا يَعْمَلُونَ ) فيعاقبهم على أعمالهم .